في نوفمبر 1244، مباشرة بعد هزيمة الصليبيين عند غزة، قام "روبرت" بطريرك بيت المقدس بإرسال "جاليران" أسقف بيروت إلى ملوك وأمراء أوروبا يطالبهم بإرسال إمدادات عاجلة إلى الأراض المقدسة لمنع سقوط مملكة بيت المقدس بالكامل في أيدي المسلمين [15]. وفي عام 1245، أثناء انعقاد مجمع ليون الكنسي الأول، وبحضور روبرت بطريرك بيت المقدس، منح بابا الكاثوليك إينوسينت الرابع (Pope Innocent IV) تأييده الكامل للحملة الصليبية السابعة التي تحمس لها لويس التاسع ملك فرنسا وكان يحضر لها، وقام بابا الكاثوليك على إثر ذلك بإرسال "اودو" كاردينال فراسكاتي للترويج للحملة في كافة أنحاء فرنسا، وفُرضت ضرائب على الناس لتمويلها، ووافقت جنوة ومرسيليا على الاضطلاع بتجهيز السفن اللازمة، أما البندقية فقد فضلت عدم المشاركة بسبب علاقاتها التجارية الواسعة مع مصر [16].
كان من أهداف الحملة الصليبية السابعة، هزيمة مصر لإخراجها من الصراع، والقضاء على الدولة الأيوبية التي كانت تحكم مصر والشام، وإعادة احتلال بيت المقدس. لتحقيق ذلك، جهز الصليبيون الحملة بتأن في ثلاث سنوات، وحاولوا إقناع المغول بالتحالف معهم ضد المسلمين حتى يتمكنوا من تطويق العالم الإسلامي من المشرق والمغرب [17] مما يصعب على مصر القتال على جبهتين في آن واحد فيسهل عليهم الإطاحة بالعالم الإسلامي بضربة واحدة [18]. قام البابا بإرسال مبعوثه الفرنسيسكاني "جيوفاني دا بيان كاربيني" (Jovanni da Pian del Carpine) إلى "جويوك" خان المغول يطلب منه تحالفه مع الصليبيين. إلا أن رد "جويوك" جاء مخيباً لأمال البابا، إذ رد عليه برسالة تطلب منه الخضوع للمغول والحضور إليه مع كل ملوك أوروبا لمبايعته ملكاً على العالم [19]. لكن إينوسينت لم يفقد الأمل فقام في مايو 1247 بإيفاد "أشلين أوف لومباردي" (Asclin of Lombardy) إلى القائد المغولي "بايتشو" في تبريز. وبدا بايتشو أكثر استعداداً للتحالف مع الصليبيين ضد المسلمين، إذ اقترح أن يقوم بمهاجمة بغداد على أن يقوم الصليبيون في ذات الوقت بمهاجمة الشام فيتم تطويق المسلمين، وأوفد رسولين إلى روما بقيا في ضيافة بابا الكاثوليك نحو عام، ثم عادا إلى بياتشو ومعهما شكوى من البابا بأنه لم يلحظ أن "بايتشو" قد أقدم على فعل شيء مثمر يخدم التحالف المأمول [20].
إبحار سفن الحملة الصليبية السابعة إلى مصر
في 24 جمادى الأولى 646 هـ/25 أغسطس 1248م أبحر لويس من مرفأ إيجو-مورت (Aigues-Mortes) وتبعته سفن أخرى من نفس المرفأ ومن مرسيليا. كان الأسطول الصليبي ضخماُ ويتكون من نحو 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم [1][21]. كان يصحب لويس زوجته "مرجريت دو بروفنس" (Marguerite de Provence)، وأخويه "شارل دي أنجو" (Charles d'Anjou) و"روبرت دي أرتوا" (Robert d'Artois)، ونبلاء من أقاربه ممن شاركوا في حملات صليبية سابقة مثل "هيو دو بورجوندي" (Hugh de Burgundy) وبيتر دو بريتاني (Peter de Brittany) وغيرهما. كما تبعته سفينة على متنها فرقة إنجليزية يقودها "وليم أوف سليزبوري" (William of Salisbury) و" فير روزاموند" (Fair Rosamond). وكانت هناك فرقة إسكتلندية مات قائدها "باتريك أوف دونبار" (Patrick of Dunbar) أثناء سفره إلى مرسيليا [16].
أراد الملك لويس التوجه مباشرة إلى مصر لكن مستشاريه وباروناته فضلوا القيام بوقفة تعبوية لتجميع كل السفن والمقاتلين قبل التوجه إلى مصر، فتوقف بجزيرة قبرص [22]، حيث انضم إليه عدد كبير من بارونات سوريا وقوات من فرسان المعبد (الداوية) والاسبتارية قدمت من عكا تحت قيادة مقدميها [23].
أثناء توقف لويس بقبرص قام باستقبال وفد مغولي سلمه رسالة ودية من خان المغول يعرض عليه فيها خدماته للاستيلاء على الأراض المقدسة وطرد المسلمين من بيت المقدس. فأرسل لويس هدية لخان المغول، وكانت عبارة عن خيمة ثمينة على هيئة محراب كنيسة عليها رسم يمثل بشارة الملائكة لمريم العذراء، لترغيبه في اعتناق المسيحية [22]. ولسوء حظ لويس، اعتبر المغول هديته رسالة تعني قبوله الخضوع لهم فطلبوا منه إرسال هدايا لهم في كل عام مما أصابه بصدمة [24].
توقف الحملة الصليبية في قبرص أدى إلى تسرب أنبائها إلى مصر قبل وصول سفنها إلى المياه المصرية. ويقال أن فريدرك الثاني، الذي كان في صراع مع بابا الكاثوليك، بعث إلى السلطان أيوب يخبره بإبحار لويس التاسع لغزو مصر [16]، مما منح السلطان أيوب فرصة للاستعداد وإقامة التحصينات [1][25][26].
في مايو عام 1249 ركب لويس سفينته الملكية "لو مونتجوي" [27]، وأمر باروناته باتباعه بسفنهم إلى مصر فأبحرت السفن من ميناء ليماسول القبرصي. أثناء التوجه إلى مصر وقعت عاصفة بحرية قوية تسببت رياحها في جنوح نحو 700 سفينة من سفن الحملة إلى عكا وسواحل الشام. كان ضمن المقاتلين على متن السفن الجانحة نحو 2100 من فرسان لويس التاسع الذين كان مجموعهم نحو 2800 فارس، فتوقف لويس لوقت قصير في جزيرة المورة اليونانية حيث انضم إليه "هيو دو بورجوندي" الذي كان ينتظر هناك، ثم أبحر جنوباً صوب مصر [28].